عيناها
هذه هي المرة الثالثة التي ألتقي بها اليوم على غير موعد . كانت الأولى في الصباح عندما كنت أقود سيارتي متوجها إلى عملي بمركز الاتصالات الفضائية ، فوجئت بها تتخطاني بسيارتها ثم رمقتني بعينيها وانطلقت مسرعة . والثانية في حوالي الواحدة ظهرا بينما كنت أعبر الممر المؤدي إلى مكتبي ، وجدتها آتية نحوي مسرعة ، ثم أبطأت قليلا وهي تتأملني وابتعدت عني مرة أخرى .. أما الثالثة فهي الآن وأنا أقضي السهرة مع زوجتي في ملهى النجوم ، كانت منشغلة بالرقص مع شاب كثيف الشعر في حوالي السابعة والعشرين من عمره ، وعندما رأتني حدجتني بنظرة طويلة من وراء كتفه ، ثم انهمكت في الرقص بعد ذلك ..
وفي المرات الثلاث التي رأيتها فيها اليوم لاحظت أن بعينيها شيئا غريبا لم أجده في أي عين أخرى ولا حتى في عيني زوجتي اللتين بدأ النعاس يغشاهما ، وراحت تقول :
- محمود هيا بنا ..
أدرت محرك سيارتي وانطلقت وأنا مازلت أفكر .. غريبة تلك الفتاة .. وعيناها اللتان يطل منهما شعاع غريب .. أي صدفة هذه التي جعلتني ألتقي بها ثلاث مرات في يوم واحد .
ما أن وصلنا البيت حتى توجهت مباشرة إلى غرفة مكتبي ، بينما صعدت زوجتي إلى غرفة نومها بالطابق الثاني وهي تجر قدميها جرا .. وأنا أراقبها حتى سمعت باب غرفتها يوصد .. عندئذ أشعلت سيجارة ، ورحت أزرع حجرة مكتبي جيئة وذهابا بخطوات بطيئة وأنا أفكر ..
هاتان العينان كانتا تقصداني بالذات . أم أنها محض صدفة ؟ .. لكنهما كانتا تنظران لي وكأنهما تعرفاني ..
مصمصت شفتي في تعجب ، وجلست على مكتبي قائلا : ربما نكون قد التقينا قبل الآن .. ولكنني لا أذكر أني رأيتها من قبل !
نفخت بفمي .. دعك من ذات العيون الساحرة الآن ، فلتنتهي أولا من كتابة المقال الذي سينشر في مجلة العلم الأسبوع القادم .. لكن يبدو أنني لن أستطيع كتابة حرف واحد الآن ، فالنوم بدأ يتسلل إلى جفوني أنا الآخر ..
تثاءبت وأنا أدفن وجهي بين كفي ، ويبدو أنني رحت في إغفاءة لأنني انتفضت فجأة على رنين جرس الباب .. ترى من الطارق ؟ إن الوقت متأخر الآن ، وليس هذا موعدا للزيارات .. فأنا رجل منظم للغاية والجميع يعرفون ذلك عني ، فلا مكالمات تليفونية بعد العاشرة مساء ، ولا زيارات بدون موعد سابق ولا أحد يدخل مكتبي بعد منتصف الليل حتى ولا زوجتي ..
شدني جرس الباب ثانية فأسرعت إليه ، وبحذر بدأت أفتح الباب وعيناي مصوبتان على الزائر الغريب .. من يكون ؟
ووقعت عيناي على المفاجأة .. كانت هي .. هي ذات العينين الساحرتين بلحمها وشحمها ، وعلى فمها ابتسامة هادئة ، وفي عينيها ذلك البريق الأخاذ .. لم أكن أتوقع أن تكون هي ، وتمالكت فرحت أقول وكأنني أعرفها منذ زمن بعيد:
- أنت .. تفضلي ..
راحت تتقدمني وهي تخطو بدلال ورشاقة ، ثم استدارت وهي تزيح من على جبينها خصلة من شعرها الأسود الفاحم المنسدل خلفها في انسيابية ، بينما مازلت أحاول أن أتذكر متى وأين التقينا .. لم أجهد ذاكرتي كثيرا فرحت أسألها :
- يبدو أن كلانا يعرف الآخر .. نحن التقينا قبل الآن .. أليس كذلك ؟
لم ترد بل ظلت واقفة تنظر إلي وعلى شفتيها نفس الابتسامة ، فقلت لها :
- تفضلي إلى حجرة مكتبي .. تفضلي ..
بنفس خطواتها الرشيقة الهادئة دخلت حجرة المكتب وهي تتلفت يمنة ويسرة تتأمل البيت ، بينما رحت أعد لها كوبا من الليمون المثلج .
لم أر في حياتي جمالا مثل جمالها ، من يراها للوهلة الأولى يظن أنها لاعبة باليه محترفة .. عودها الممشوق .. قوامها الفارع ..شعرها الأسود الناعم المنسدل خلفها تاركة خصلة منه فوق جبينها .. وجهها الذي تطل منه براءة طفولية نادرة .. وعيناها .. عيناها اللتان بهما سحر وجاذبية لم تستطع عيناي أن تديم النظر إليهما ..
لم تمض سوى بضع دقائق حتى كنت أخطو مسرعا تجاه حجرة مكتبي وفي يدي كوب الليمون ، عندما دخلت وجدتها واقفة تتأمل صورة ابنتي على المكتب فصحت ضاحكا :
- هذه رانيا حبيبتي .. جميلة أليست كذلك ؟ ولكنها طفلة شقية للغاية كثيرا ما تعبث بأوراقي ..
جلست على المقعد الموازي لمكتبي وبدأت ترتشف في هدوء دون أن تنبث .. حتى قلت لها :
- معذرة .. يبدو أن ذاكرتي خانتني ولم أتذكر بعد متى وأين التقينا ؟
ضحكت برقة وقالت بصوت يقطر عذوبة :
- أمصرا أن تعرف ؟
- على رسلك .. ولكن أريد أن أعرف سبب تلك الزيارة الغريبة ..
مرت فترة صمت قطعتها قائلة :
- أولا إننا لم نلتق من قبل …
- وكيف عرفتني إذن مادمنا لم نلتق من قبل ؟
- من أنت إذن ؟
أطرقت برهة ثم رفعت رأسها ونطقت بحروف غريبة لم أستوعب منها شيئا، فقلت متعجبا :
- أهذا اسمك يا آنسة ؟ انه غريب جدا . يبدو أنك لست من سكان تلك البلدة ..
وما الغريب في اسمي .. انه .. رانيا __ مالغريب به
ووجدتها تطلق زفرة شعرت أنها تخرج من أغوار قلبها وتقول :
- بل إنني لست من سكان هذا الكوكب ..
انا من كوكب انت تعلمه
كوكب لست انت من سكانه
قررت الخروج منه بمفردك..
انا من تهواك ..ولا تعلم بهواها شيئا
اسفة للأزعاج فقد حان وقت الرحيل
ولابد أن أرحل
تحياتي
roro
هذه هي المرة الثالثة التي ألتقي بها اليوم على غير موعد . كانت الأولى في الصباح عندما كنت أقود سيارتي متوجها إلى عملي بمركز الاتصالات الفضائية ، فوجئت بها تتخطاني بسيارتها ثم رمقتني بعينيها وانطلقت مسرعة . والثانية في حوالي الواحدة ظهرا بينما كنت أعبر الممر المؤدي إلى مكتبي ، وجدتها آتية نحوي مسرعة ، ثم أبطأت قليلا وهي تتأملني وابتعدت عني مرة أخرى .. أما الثالثة فهي الآن وأنا أقضي السهرة مع زوجتي في ملهى النجوم ، كانت منشغلة بالرقص مع شاب كثيف الشعر في حوالي السابعة والعشرين من عمره ، وعندما رأتني حدجتني بنظرة طويلة من وراء كتفه ، ثم انهمكت في الرقص بعد ذلك ..
وفي المرات الثلاث التي رأيتها فيها اليوم لاحظت أن بعينيها شيئا غريبا لم أجده في أي عين أخرى ولا حتى في عيني زوجتي اللتين بدأ النعاس يغشاهما ، وراحت تقول :
- محمود هيا بنا ..
أدرت محرك سيارتي وانطلقت وأنا مازلت أفكر .. غريبة تلك الفتاة .. وعيناها اللتان يطل منهما شعاع غريب .. أي صدفة هذه التي جعلتني ألتقي بها ثلاث مرات في يوم واحد .
ما أن وصلنا البيت حتى توجهت مباشرة إلى غرفة مكتبي ، بينما صعدت زوجتي إلى غرفة نومها بالطابق الثاني وهي تجر قدميها جرا .. وأنا أراقبها حتى سمعت باب غرفتها يوصد .. عندئذ أشعلت سيجارة ، ورحت أزرع حجرة مكتبي جيئة وذهابا بخطوات بطيئة وأنا أفكر ..
هاتان العينان كانتا تقصداني بالذات . أم أنها محض صدفة ؟ .. لكنهما كانتا تنظران لي وكأنهما تعرفاني ..
مصمصت شفتي في تعجب ، وجلست على مكتبي قائلا : ربما نكون قد التقينا قبل الآن .. ولكنني لا أذكر أني رأيتها من قبل !
نفخت بفمي .. دعك من ذات العيون الساحرة الآن ، فلتنتهي أولا من كتابة المقال الذي سينشر في مجلة العلم الأسبوع القادم .. لكن يبدو أنني لن أستطيع كتابة حرف واحد الآن ، فالنوم بدأ يتسلل إلى جفوني أنا الآخر ..
تثاءبت وأنا أدفن وجهي بين كفي ، ويبدو أنني رحت في إغفاءة لأنني انتفضت فجأة على رنين جرس الباب .. ترى من الطارق ؟ إن الوقت متأخر الآن ، وليس هذا موعدا للزيارات .. فأنا رجل منظم للغاية والجميع يعرفون ذلك عني ، فلا مكالمات تليفونية بعد العاشرة مساء ، ولا زيارات بدون موعد سابق ولا أحد يدخل مكتبي بعد منتصف الليل حتى ولا زوجتي ..
شدني جرس الباب ثانية فأسرعت إليه ، وبحذر بدأت أفتح الباب وعيناي مصوبتان على الزائر الغريب .. من يكون ؟
ووقعت عيناي على المفاجأة .. كانت هي .. هي ذات العينين الساحرتين بلحمها وشحمها ، وعلى فمها ابتسامة هادئة ، وفي عينيها ذلك البريق الأخاذ .. لم أكن أتوقع أن تكون هي ، وتمالكت فرحت أقول وكأنني أعرفها منذ زمن بعيد:
- أنت .. تفضلي ..
راحت تتقدمني وهي تخطو بدلال ورشاقة ، ثم استدارت وهي تزيح من على جبينها خصلة من شعرها الأسود الفاحم المنسدل خلفها في انسيابية ، بينما مازلت أحاول أن أتذكر متى وأين التقينا .. لم أجهد ذاكرتي كثيرا فرحت أسألها :
- يبدو أن كلانا يعرف الآخر .. نحن التقينا قبل الآن .. أليس كذلك ؟
لم ترد بل ظلت واقفة تنظر إلي وعلى شفتيها نفس الابتسامة ، فقلت لها :
- تفضلي إلى حجرة مكتبي .. تفضلي ..
بنفس خطواتها الرشيقة الهادئة دخلت حجرة المكتب وهي تتلفت يمنة ويسرة تتأمل البيت ، بينما رحت أعد لها كوبا من الليمون المثلج .
لم أر في حياتي جمالا مثل جمالها ، من يراها للوهلة الأولى يظن أنها لاعبة باليه محترفة .. عودها الممشوق .. قوامها الفارع ..شعرها الأسود الناعم المنسدل خلفها تاركة خصلة منه فوق جبينها .. وجهها الذي تطل منه براءة طفولية نادرة .. وعيناها .. عيناها اللتان بهما سحر وجاذبية لم تستطع عيناي أن تديم النظر إليهما ..
لم تمض سوى بضع دقائق حتى كنت أخطو مسرعا تجاه حجرة مكتبي وفي يدي كوب الليمون ، عندما دخلت وجدتها واقفة تتأمل صورة ابنتي على المكتب فصحت ضاحكا :
- هذه رانيا حبيبتي .. جميلة أليست كذلك ؟ ولكنها طفلة شقية للغاية كثيرا ما تعبث بأوراقي ..
جلست على المقعد الموازي لمكتبي وبدأت ترتشف في هدوء دون أن تنبث .. حتى قلت لها :
- معذرة .. يبدو أن ذاكرتي خانتني ولم أتذكر بعد متى وأين التقينا ؟
ضحكت برقة وقالت بصوت يقطر عذوبة :
- أمصرا أن تعرف ؟
- على رسلك .. ولكن أريد أن أعرف سبب تلك الزيارة الغريبة ..
مرت فترة صمت قطعتها قائلة :
- أولا إننا لم نلتق من قبل …
- وكيف عرفتني إذن مادمنا لم نلتق من قبل ؟
- من أنت إذن ؟
أطرقت برهة ثم رفعت رأسها ونطقت بحروف غريبة لم أستوعب منها شيئا، فقلت متعجبا :
- أهذا اسمك يا آنسة ؟ انه غريب جدا . يبدو أنك لست من سكان تلك البلدة ..
وما الغريب في اسمي .. انه .. رانيا __ مالغريب به
ووجدتها تطلق زفرة شعرت أنها تخرج من أغوار قلبها وتقول :
- بل إنني لست من سكان هذا الكوكب ..
انا من كوكب انت تعلمه
كوكب لست انت من سكانه
قررت الخروج منه بمفردك..
انا من تهواك ..ولا تعلم بهواها شيئا
اسفة للأزعاج فقد حان وقت الرحيل
ولابد أن أرحل
تحياتي
roro